العشق مرض الحب القاتل
الحب هو الصفاء والنقاوة والصدق والوفاء والتضحية, وماعداه ليس حبا , والحب عاطفة مغروزةفي خلجات الانسان وجوانحه؛في عقله وقلبه وضميره وإرادته؛وهو أحاسيس ومشاعر جياشة مطبقة على كيان الانسان بأسره توجهه وتحركه نحو المحبوب , وتحدد له متبنياته الفكريةوالعاطفية والسلوكية .
والحياة بلا حب كالربيع بلا مروج , والشجرة بلا ثمار, والغيوم بلا غيث ,بل هي حياة جامدة لا حراك فيها , بل هي الموت .
الحب نور تشرق به النفس وهو الانشراح واليسر والطمأنينة ,وهو ربيع العقول والنفوس والضمائر,حيث تنطلق الطاقات الحبيسة وتتفتح لتعانق الأملا والتفاؤل؛ فيجد به الوضاءة في خواطره ومشاعره وملامحه والراحة في ضميره.
وبالحب يوجد الرفق واليسرفي حركة الحياة المتوثبة نحو المستقبل الزاهر؛ انه بث للحياة النابضة الدافعةالتي تستحيل فيها الطاقة الحبيسة الى قوة ايجابية مكيفة للمشاعر والارتباطات والممارسات التي تداعب اوتار الكيان الانساني كلها في عمق واستجاشة .
والحب حقيقة حية فاعلة متحركة لتحقق ذاتها في الحركة والسلوك .
والذي لايحب اما ان يكون كاذبا او متكتما على مشاعره او يكون شاذا عن كينونته وفطرته.
والحب وان كان مغروسا في النفس الانسانية الا ان لارادته دورافعالا في توجيهه الوجهة النهائية في عالم الواقع الى وجودات واشخاص , وهذه الارادة تتحكم فيها متبنيات الانسان الفكرية ونشأته الاجتماعية؛ فاما ان يتطلع الى افاق عليا واهتمامات ارفع , واما ان ينحدر الى افاق ادنى والى اهتمامات اضيق وجودا ؛ فهو الذي يحدد طريق الحب بين الواقعية والسطحية في النظرة الى المحبوب الذي يستهوي قلبه وشعوره؛ اندفاعا وانكماشا او حركة وجمودا.
الحب هو الكون بأسره ففي الحديث ان الله تعالى احب ان يعرف فخلق الكائنات ليعرفوه ؛ فالحياة بدأت بالحب واستمرت بالحب , وستتصل بحياة ابدية بلا نهاية.
والحب الامثل المتعالي هو حب المعبود وحب رسل المعبود وحب منهجه ومفاهيمه وقيمه , ثم الحب العيلي , ثم حب الانسانية.
و من مظاهر الحب المعهود في الذهن وفي الواقع حب الجنسين أحدهما لمقابله؛ وهو حب فطري تفرضه الرجولة على الانوثة والانوثة على الرجولة حيث ميل الشدة بجميع مجالاتها الى الرقة بجميع مجالاتها , وتميل الخشونة الى النعومة والنعومة الى الخشونة ؛ ميل القلب للقلب والروح للروح والجوارح للجوارح ؛ ميل العين للعين واللسان للسان؛ بتبادل النظرات والكلمات والإيناس والألفة للتغلب على متاعب الحياة وجمود الحركة , وعلى السأ م والفراغ العاطفي والروحي في مجاله البشري الغريزي .
ودرجة التفاعل مع المحبوب واحدة من حيث العواطف والمشاعر ودرجة الاخلاص والصدق والوفاء والتضحية من اجل المحبوب ؛ فمن يخلص ويصدق في حبه لمعبوده ورسل المعبود وارشاداته وتوجيهاته يكون مخلصا مع محبوبه البشري بدرجة ووتيرة واحدة مع الاختلاف في سلم المحبوب ووجوده حيث ان المحبوب الاول لامتناهي ومطلق والمحبوب الاخر متفاوت في الكمال
والحب كطاقة متقدة ينبغي توزيعها ليتحقق التوازن في الشخصية بمقوماتها الفكرية والعاطفية والسلوكية لكي لا يطغى جانب على جانب , ولكي لا يكون افراطا ولا تفريطا ؛ وعدم التوازن اساس القلق والاضطراب الذي يسلب الحبيب الراحة والهناء فيجعله في دوامة من الاضطراب والبلبلة العقلية والعاطفية والسلوكية .
والحب انطلاقة وثابة تحتاج الى تفاعل وتبادل بين الحبيب والمحبوب فاذا انخرم التفاعل وتدنى خلق افراطا او تفريطا في الحب بين الجنسين , ومن هنا نرى المحروم من الحب بارادته او بدون ارادته مضطربا في حبه لجنسه المقابل : وكل حسب نشأته وتربيته .
والحرمان من حب لمعبوده او لمنهجه كاللامنتمي لمنهج فكري او فلسفي تراه مفرطا في حبه لان طاقة الحب المركوزة في اعماقه ستتركز على محبوبه من الجنس الاخر, وكذا المحروم من حبه العيلي فان حاجته للحب ستدفعه للبحث عنه بافراط او دون ترو.
ولذا ييحدث الحب من اول نظرة او الحب لمحبوب سمع عنه ماحبه دون ان يراه بعينه
ومن هنا يحل الهوى والوجد والوصب والهيام والعشق محل الحب المتوازن .
فالهوى هو ميل النفس الاكثر في التعلق بالجنس المقابل
والوجد هو الحب الذي يتبعه الحزن
والوصب ألم الحب ومرضه
والهيام جنون العشق والعشق هو فرط الحب
والحرمان من الحب يجعل المحروم متسرعا في البحث عن محبوب يمنحه الحنان والدفئ العاطفي فيجذبه الاخر بابتسامة او كلمة او نظرة , ويتعمق الحب ويطبق على جميع الخلجات بزيادة حنان المحبوب فيتفاعل معه حتى يصل الحبيب الى حد التضحية بكل شئ من اجله وقد يفقد عقله ان فارقه او ثبت كونه كاذبا او فرق الموت بينهما
فالقلب الفارغ سريع الاندفاع كما في قول الشاعر:
اتاني هواها قبل ان اعرف الهوى
فصادف قلبا خاليا فتمكنا
ومن هنا فالخطورة تكمن في العلاقات بين الجنسين وخاصة الفتاة المحرومة من الحنان فهي اكثر وقوعا في الشراك التي تفقدها عفتها الجسدية ؛ لأن طبيعة المرأة لا تفرق بين الحب والجنس فاذا اعطت قلبها سهل جسمها عكس الرجل الذي يفرق بين الحاجتين ,مع الاخذ بنظر الاعتبار العادات الاجتماعية والاختلاط والخلوة وخلو الفكر من فلسفة صالحة .
والحب فيه مقومان وهما :
الحاجة للحب
ومؤهلات المحبوب
احبك حبين حب الهوى وحب لانك أهل لذاكا
وهذا هو الحب الايجابي المثمر والواعي البعيد عن المنزلقات .
فيمكن اشباع الحاجة للحب باختيار المحبوب العاقل الواعي العفيف الذي يصون حبيبه ومحبوبه ؛ ليبنوا اسرة وعيلة فهو حب طاهر وهادف وليس عبثا او لهوا
والمخلص في اعتقاده وقيمه يكون مخلصا في حبه , والمخلص في انتما ئه السياسي يكون مخلصا في حبه لمحبوبه اما المنتمي انتهازا او مصلحة فيكون غير مخلص في حبه بل مجرد مخادع
والحب المذموم هو الحب المتطرف وهو العشق حتى يصبح المحبوب كالمعبودالذي يهيمن على جميع جوارح وجوانح الحبيب
وجدي حنيني انيني فكرتي ولهي
مهم اليهم عليهم فيهم بهم
وهذا هو الهوان والذل
ان الهوى لهو الهوان بعينه
ماذاق طعم الذل من لم يعشق
والعشق جنون وانزواء عن الحياة الانسانية التي لا يرى فيها العاشق غير معشوقه
قالت وقد فتشت عنها كل من
لاقيته من حاضر او بادي
انا في فؤادك فارم طرفك حوله
ترني فقلت لها واين فؤادي
وقال شاعر اخر
وما شربت لذيذ الماء من عطش
الا رايت خيالا منك في الكاس
ولا جلست الى قوم احدثهم
الا وكنت حديثي بين جلا سي
هذا العشق مذموم لانه تجاوز الحد وهو انصراف عن حب وعشق المفاهيم والقيم العظيمة الى حب انسان اخر لا يحتاج كل هذه العلقة
وفي جميع الاحوال فان التطلع الى محبوب مثالي كالوجود المطلق او قيمه يخفف من الحب المذموم وهو العشق
الحب الحقيقي يترشح من الحب المثالي الى الحب الواقعي فيكون الاخلاص للمحبوب اخلاصا لا مصالح فيه
يامحرقا بالنار وجه محبه
مهلا فان مدامعي تطفيه
احرق بها جسدي وكل جوارحي
واعطف على قلبي لانك فيه
والطاقة العاطفية هي التي تحدد مراتب الحب وموارده شدة وضعفا في الاختيار وفي الدرجات من حيث التعلق
فالامام الحسين يقول
تركت الخلق طرا في هواكا
وايتمت العيال لكي اراكا
فلو قطعتني بالحب اربا
لما مال الفؤاد الى سواكا
هذه الطاقة العاطفية لو كانت عند غيره ولم تتطلع للافاق العليا لوجدناها تتوجه بقوتها الى محبوب انسي
ولذا فلابد من التسامي عند الشباب المخلصين الصادقين الاوفياء للحيلولة دون ان يصابوا بمرض العشق لانه موت للحب